جميع الاخبار

“ولا تسرفوا”.. الأزهر للفتوى: الإسراف ذنب يُطلب المغفرة عليه من الله.. من استزاد من ماء الوضوء قد أساء وظلم.. ترك شاحن التليفون في الكهرباء دون شحن “إسراف”.. وإضاءة اللمبات بالنهار ينافي حفظ النعمة وشكرها

الرئيسية

تحقيقات وملفات

“ولا تسرفوا”.. الأزهر للفتوى: الإسراف ذنب يُطلب المغفرة عليه من الله.. من استزاد من ماء الوضوء قد أساء وظلم.. ترك شاحن التليفون في الكهرباء دون شحن “إسراف”.. وإضاءة اللمبات بالنهار ينافي حفظ النعمة وشكرها

السبت، 02 نوفمبر 2024 09:00 ص

"ولا تسرفوا".. الأزهر للفتوى: الإسراف ذنب يُطلب المغفرة عليه من الله.. من استزاد من ماء الوضوء قد أساء وظلم.. ترك شاحن التليفون في الكهرباء دون شحن "إسراف".. وإضاءة اللمبات بالنهار ينافي حفظ النعمة وشكرهاالمركز العالمى للفتوى
كتب لؤى على

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

أصدر المركز العالمى للفتوى الإلكترونية بالأزهر الشريف، تقريراً بعنوان “ولا تسرفوا”، حث خلاله على ضرورة عدم الإسراف والتوسط والاعتدال فى كل أمور حياتنا، مشيرا إلى أننا قد نفعل الشيء ونظن أن فعلنا لا يخالف الشرع؛ موضحاً هل تعلم أن من استزاد من ماء الوضوء بعد أن أدى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه قد أساء وظلم؛ فما الداعي لإهدار الماء دون الانتفاع به؟! فقد جَاءَ أَعْرَابِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُهُ عَنِ الْوُضُوءِ، فَأَرَاهُ ثَلاثاً ثلاثاً، وَقَالَ: «هذا الْوُضُوءُ، فَمِنْ زَادَ عَلَى هذا فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدّى وَظَلَمَ» (أخرجه أحمد في مسنده).

كما تسأل المركز هل تعلم أنه يكفي لوضوئك ثلثا لتر من الماء، ولغسلك اثنان ونصف اللتر من الماء، وأن ما زاد على ذلك إهدار لا فائدة منه، قال صلى وَمِنَ الْغُسْلِ صَاعٌ، فَقَالَ وگا الْوُضُوءِ مُد، الله عليه وسلم: «يُجْزِئُ مِنَ رَجُلٌ : لَا يُجْزِئُنَا، فَقَالَ عَقِيل بن أَبِي طَالِبٍ: «قَدْ كَانَ يُجْزِئُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ، وَأَكْثَرُ شَعَرًا . – يَعْنِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم -» (أخرجه ابن ماجه).

وتابع : هل تعلم أن الماء الذي تستخدمه لغسل سيارتك ربما يروي عطش مائة شخص، والله تعالى يقول: {وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: ٣١].
هل تعلم أن الماء سيصبح أغلى سلع الأرض في المستقبل، لهذا؛ تصرف مع زجاجة المياه كأنها الأخيرة على وجه الأرض، ولا تكن من المسرفين، قال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: ٣١].

وهل تعلم أن الإسراف لا يتعلق بالمال فقط، بل يتعلق بكل ما وضع في غير موضعه اللائق به، لهذا؛ لا تشتر من الطعام ما لا تحتاجه، ولا تضع على المائدة منه إلا ما يكفيك، فالطعام لم يجعله الله ليأخذ أصحابه معه الصور التذكارية ثم يقوموا بنشرها على مواقع التواصل، كما لم يجعله لتمتلئ به صناديق القمامة.
وهل تعلم أن الشرع اعتبر الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة واستخدام أدوات منهما من الإسراف المحرم؛ لما في ذلك من التفاخر وكسر قلوب الفقراء، قال صلى الله عليه وسلم في الزجر عن هذا: «إِنَّ الَّذِي يَشْرَبُ فِي إِنَاءِ الْفِضَّةِ، فَإِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ» (أخرجه ابن حبان).

هل تعلم أن كثيراً من الناس يموتون تخمة في حين يموت آخرون جوعًا، والتوسط في الأمر لا يتحقق إلا بالاقتصاد والعطاء، يقول صلى الله عليه وسلم: «مَا مَلَا آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ» (أخرجه ابن ماجه).

هل تعلم أن موائد الطعام المفتوحة في الحفلات والمناسبات صارت في واقع الناس اليوم من الوجاهة الاجتماعية ليس إلا، ومؤشرا يتفاضل الناس على أساسه، ولا شك أن إطعام الجوعى خير وأولى من مباهاة لا طائل من ورائها؛ فقد كتبت الحَجَبَةُ إلى عمر بن عبد العزيز يأمر للبيت بكسوة كما يفعل من كان قبله، فكتب إليهم: إِنِّي رَأَيْتُ أَنْ أَجْعَلَ ذَلِكَ فِي أَكْبَادٍ جَائِعَةٍ فَإِنَّهُمْ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنَ الْبَيْتِ) يقصد بيت الله الحرام.

هل تعلم أن إنفاق المبالغ المالية الكبيرة على أفراح الزفاف لن تهب الزوجين حياة زوجية سعيدة؛ فبالتوافق، ومراعاة الحقوق والواجبات، والاحترام المتبادل؛ تُبنى البيوت، وتسعد الأسر.

وإذا نظرنا لنصوص الشرع الشريف وروحها وجدنا أنها تُعلي من قيمتي الاعتدال والاقتصاد، وتدعو إلى حفظ كل مقومات الحياة من ماء وغذاء وأموال ومنافع، هذه المقومات التي باتت مهمة غالية؛ في ظل التحديات العالمية، وخطر نقص المقومات الداهم.

فلا ينبغي أن ننسى أبدًا أن رعاية المصالح وحفظ المنافع دين يتاب المرء على فعله، وأن إهدارها وإفسادها ذنب يستحق طلب المغفرة من الله عز وجل؛ قال تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر : ۸] أي: ما يتنعم به الإنسان خلال حياته الدنيوية من مال وولد، وطعام وشراب ومُتع سيسأله الله عز وجل عنه يوم القيامة.
مدح الشرع الشريف الاقتصاد والاعتدال، وجعلهما من كريم الصفات:
– فأخبر أن أهل الاعتدال والاقتصاد هم أيسر الناس حسابًا أمام الله عز وجل يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم : «قال الله عز وجل: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} [فاطر: ۳۲]. فَأَمَّا الَّذِينَ سَبَقُوا بِالْخَيْرَاتِ ، فَأُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَأَمَّا الَّذِينَ اقْتَصَدُوا، فَأُولَئِكَ يُحَاسَبُونَ حِسَابًا يَسِيرًا، وَأَمَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، فَأُولَئِكَ الَّذِينَ يُحَاسَبُونَ فِي طُولِ الْمَحْشَرِ، ثُمَّ هُمُ الَّذِينَ تَلَافَاهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ، فَهُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر: ٣٤] …» (أخرجه أحمد في مسنده).
– وبين أن الاقتصاد والتوسط في الأمور طاعة لله عز وجل، وسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يُثاب عليها فاعلها، فعن ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: (بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ، فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَتَوَضَّأَ مِنْ شَنَّةٍ – الشنة: إناء من جلد – وُضُوءًا ابن ماجه). يُقَلِّلُهُ، فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ كَمَا صَنَعَ).
– وبين صلى الله عليه وسلم أن التوسط والاقتصاد في الأمور كلها من صفات الأنبياء صلوات الله تعالى عليهم، قال صلى الله عليه وسلم: «السَّمْتُ الحَسَنُ أي المظهر الحسن – وَالتَّوْدَةُ – أي التمهل والتأني – وَالاِقْتِصَادُ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ» (أخرجه الترمذي).

ذم الإسراف بكل صوره…
كما مدح الشرع الشريف الاقتصاد والاعتدال فقد ذم الإسراف بكل صوره وأشكاله:
–  فذم الإسراف على النفس بفعل المعصية، فقال تعالى: {قُل يا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: ٥٣].
– ووضّح أن الإسراف ذنب يُطلب المغفرة عليه من الله؛ فعَنْ أَبِي بُرْدَةَ ابْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي، وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي …» (أخرجه مسلم).
– وأخبرنا أن إهدار المنافع، وإضاعة الأموال والمصالح، أمور لا يحبها الله عز وجل، فقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثلاثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ المَالِ، وَكَثرة السؤال» (أخرجه البخاري).
– وبين لنا أن الإسراف مذموم ولو في استرداد الحقوق، قال تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً [الإسراء: ٣٣].
– كما أخبر أن الإسراف في النوم والأكل والشرب مهلكة للجسد، وخير الأمور أوسطها ؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: «مَا مَلَا آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِ، حَسْبُ الْآدَمِيِّ، لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ غَلَبَتِ الْآدَمِيَّ نَفْسُهُ، فَثُلُثُ لِلطَّعَامِ، وَثُلُثُ لِلشَّرَابِ، وَثُلُثُ لِلنَّفَسِ» (رواه ابن ماجه).
– وحذر من الإسراف في تضييع الأوقات بإهدارها، فقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنه لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأله الله عن عمره فيم أفناه؟ (أخرجه الترمذي).
حياة بلا إسراف…
إن التعامل الأمثل مع المنافع هو الاقتصاد فيها؛ كي يستفيد منها أكبر عدد ممكن بخلاف الإسراف الذي يفوّت الكثير من المصالح، ولا شك أن الحياة بلا إسراف أفضل وأنعم؛ لهذا كان:
– فتح صنبور الماء دون استخدامه إلا أوقاتاً بينية ضئيلة أو تركه معطوبا دون إصلاحه.. إسراف ينافي حفظ النعمة وشكرها.
– الإفراط في غسل الأشياء والمأكولات بالماء الجاري وترك غسلها في أحواض الماء.. إسراف ينافي حفظ النعمة وشكرها.
– وضع طعام يكفي عشرة أشخاص على مائدة أمام شخص واحد… إسراف ينافي حفظ النعم وشكرها، إذ النتيجة هي إلقاء ما يكفي الإطعام تسعة أشخاص آخرين في القمامة.. كيف لمن يفعلون هذا أن يناموا وأطفال المجاعات يموتون جوعا ؟!
– وترك الأجهزة الكهربية قيد التشغيل دون حاجة إليها.. إسراف ينافي حفظ النعمة وشكرها.
– وكذلك إضاءة المصابيح خلال النهار دون حاجة إليها.. إسراف ينافي حفظ النعمة وشكرها.
– وإزالة الهاتف عن الشاحن وتركه مثبت في مقبس الكهرباء دون فائدة.. إسراف ينافي حفظ النعم وشكرها.
إن هذه الصور وأمثالها تُعدّ إسرافًا لا يحب الله عز و جل أهله، قال تعالى: {وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: ٣١].

قالوا عن الإسراف..

قال ، عُمر بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «كَفَى بِالْمَرْءِ . كُلَّ مَا اشْتَهَى» ، فما بالكم بمن يهدر الطعام أو يلقيه في القمامة؟!
– قيل للحسن بن سهل : لا خير في السَّرف، فقال: «لا سَرَف في الخير»
– قيل لحكيم: متى يكون بذل القليل إسرافًا والكثير اقتصادًا، قال: «إذا كان بَدلُ القَليل في باطل، وبذل الكثير في حق»
– قال علي بن الحسين بن واقد رضي الله عنه: قد جمع الله الطب كله في نصف آية فقال: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا} [الأعراف: ٣١].
–  قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى: «من الإسراف الأكل بعد الشبع، وكل ذلك محظور. وقال لقمان لابنه: يا بني لا تأكل شبعا فوق شبع، فإنك أن تنبذه للكلب خير من أن تأكله» (تفسير القرطبي)، هذا إذا أكلت بعد الشبع، فما البال بمن يُهدر الطعام ويجعله مع القمامة في صندوق واحد ؟!

الازهر للفتوى

المركز العالمى للفتوى

ماء الوضوء

الاسراف فى الماء

الموضوعات المتعلقة

ما حكم الصلاة جالسا؟.. عضو بـ”العالمي للفتوى” تجيب

الإثنين، 28 أكتوبر 2024 09:00 م

مشاركة

أصدر المركز العالمى للفتوى الإلكترونية بالأزهر الشريف، تقريراً بعنوان “ولا تسرفوا”، حث خلاله على ضرورة عدم الإسراف والتوسط والاعتدال فى كل أمور حياتنا، مشيرا إلى أننا قد نفعل الشيء ونظن أن فعلنا لا يخالف الشرع؛ موضحاً هل تعلم أن من استزاد من ماء الوضوء بعد أن أدى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه قد أساء وظلم؛ فما الداعي لإهدار الماء دون الانتفاع به؟! فقد جَاءَ أَعْرَابِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُهُ عَنِ الْوُضُوءِ، فَأَرَاهُ ثَلاثاً ثلاثاً، وَقَالَ: «هذا الْوُضُوءُ، فَمِنْ زَادَ عَلَى هذا فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدّى وَظَلَمَ» (أخرجه أحمد في مسنده).

كما تسأل المركز هل تعلم أنه يكفي لوضوئك ثلثا لتر من الماء، ولغسلك اثنان ونصف اللتر من الماء، وأن ما زاد على ذلك إهدار لا فائدة منه، قال صلى وَمِنَ الْغُسْلِ صَاعٌ، فَقَالَ وگا الْوُضُوءِ مُد، الله عليه وسلم: «يُجْزِئُ مِنَ رَجُلٌ : لَا يُجْزِئُنَا، فَقَالَ عَقِيل بن أَبِي طَالِبٍ: «قَدْ كَانَ يُجْزِئُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ، وَأَكْثَرُ شَعَرًا . – يَعْنِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم -» (أخرجه ابن ماجه).

وتابع : هل تعلم أن الماء الذي تستخدمه لغسل سيارتك ربما يروي عطش مائة شخص، والله تعالى يقول: {وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: ٣١].
هل تعلم أن الماء سيصبح أغلى سلع الأرض في المستقبل، لهذا؛ تصرف مع زجاجة المياه كأنها الأخيرة على وجه الأرض، ولا تكن من المسرفين، قال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: ٣١].

وهل تعلم أن الإسراف لا يتعلق بالمال فقط، بل يتعلق بكل ما وضع في غير موضعه اللائق به، لهذا؛ لا تشتر من الطعام ما لا تحتاجه، ولا تضع على المائدة منه إلا ما يكفيك، فالطعام لم يجعله الله ليأخذ أصحابه معه الصور التذكارية ثم يقوموا بنشرها على مواقع التواصل، كما لم يجعله لتمتلئ به صناديق القمامة.
وهل تعلم أن الشرع اعتبر الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة واستخدام أدوات منهما من الإسراف المحرم؛ لما في ذلك من التفاخر وكسر قلوب الفقراء، قال صلى الله عليه وسلم في الزجر عن هذا: «إِنَّ الَّذِي يَشْرَبُ فِي إِنَاءِ الْفِضَّةِ، فَإِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ» (أخرجه ابن حبان).

هل تعلم أن كثيراً من الناس يموتون تخمة في حين يموت آخرون جوعًا، والتوسط في الأمر لا يتحقق إلا بالاقتصاد والعطاء، يقول صلى الله عليه وسلم: «مَا مَلَا آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ» (أخرجه ابن ماجه).

هل تعلم أن موائد الطعام المفتوحة في الحفلات والمناسبات صارت في واقع الناس اليوم من الوجاهة الاجتماعية ليس إلا، ومؤشرا يتفاضل الناس على أساسه، ولا شك أن إطعام الجوعى خير وأولى من مباهاة لا طائل من ورائها؛ فقد كتبت الحَجَبَةُ إلى عمر بن عبد العزيز يأمر للبيت بكسوة كما يفعل من كان قبله، فكتب إليهم: إِنِّي رَأَيْتُ أَنْ أَجْعَلَ ذَلِكَ فِي أَكْبَادٍ جَائِعَةٍ فَإِنَّهُمْ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنَ الْبَيْتِ) يقصد بيت الله الحرام.

هل تعلم أن إنفاق المبالغ المالية الكبيرة على أفراح الزفاف لن تهب الزوجين حياة زوجية سعيدة؛ فبالتوافق، ومراعاة الحقوق والواجبات، والاحترام المتبادل؛ تُبنى البيوت، وتسعد الأسر.

وإذا نظرنا لنصوص الشرع الشريف وروحها وجدنا أنها تُعلي من قيمتي الاعتدال والاقتصاد، وتدعو إلى حفظ كل مقومات الحياة من ماء وغذاء وأموال ومنافع، هذه المقومات التي باتت مهمة غالية؛ في ظل التحديات العالمية، وخطر نقص المقومات الداهم.

فلا ينبغي أن ننسى أبدًا أن رعاية المصالح وحفظ المنافع دين يتاب المرء على فعله، وأن إهدارها وإفسادها ذنب يستحق طلب المغفرة من الله عز وجل؛ قال تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر : ۸] أي: ما يتنعم به الإنسان خلال حياته الدنيوية من مال وولد، وطعام وشراب ومُتع سيسأله الله عز وجل عنه يوم القيامة.
مدح الشرع الشريف الاقتصاد والاعتدال، وجعلهما من كريم الصفات:
– فأخبر أن أهل الاعتدال والاقتصاد هم أيسر الناس حسابًا أمام الله عز وجل يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم : «قال الله عز وجل: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} [فاطر: ۳۲]. فَأَمَّا الَّذِينَ سَبَقُوا بِالْخَيْرَاتِ ، فَأُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَأَمَّا الَّذِينَ اقْتَصَدُوا، فَأُولَئِكَ يُحَاسَبُونَ حِسَابًا يَسِيرًا، وَأَمَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، فَأُولَئِكَ الَّذِينَ يُحَاسَبُونَ فِي طُولِ الْمَحْشَرِ، ثُمَّ هُمُ الَّذِينَ تَلَافَاهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ، فَهُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر: ٣٤] …» (أخرجه أحمد في مسنده).
– وبين أن الاقتصاد والتوسط في الأمور طاعة لله عز وجل، وسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يُثاب عليها فاعلها، فعن ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: (بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ، فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَتَوَضَّأَ مِنْ شَنَّةٍ – الشنة: إناء من جلد – وُضُوءًا ابن ماجه). يُقَلِّلُهُ، فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ كَمَا صَنَعَ).
– وبين صلى الله عليه وسلم أن التوسط والاقتصاد في الأمور كلها من صفات الأنبياء صلوات الله تعالى عليهم، قال صلى الله عليه وسلم: «السَّمْتُ الحَسَنُ أي المظهر الحسن – وَالتَّوْدَةُ – أي التمهل والتأني – وَالاِقْتِصَادُ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ» (أخرجه الترمذي).

ذم الإسراف بكل صوره…
كما مدح الشرع الشريف الاقتصاد والاعتدال فقد ذم الإسراف بكل صوره وأشكاله:
–  فذم الإسراف على النفس بفعل المعصية، فقال تعالى: {قُل يا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: ٥٣].
– ووضّح أن الإسراف ذنب يُطلب المغفرة عليه من الله؛ فعَنْ أَبِي بُرْدَةَ ابْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي، وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي …» (أخرجه مسلم).
– وأخبرنا أن إهدار المنافع، وإضاعة الأموال والمصالح، أمور لا يحبها الله عز وجل، فقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثلاثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ المَالِ، وَكَثرة السؤال» (أخرجه البخاري).
– وبين لنا أن الإسراف مذموم ولو في استرداد الحقوق، قال تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً [الإسراء: ٣٣].
– كما أخبر أن الإسراف في النوم والأكل والشرب مهلكة للجسد، وخير الأمور أوسطها ؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: «مَا مَلَا آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِ، حَسْبُ الْآدَمِيِّ، لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ غَلَبَتِ الْآدَمِيَّ نَفْسُهُ، فَثُلُثُ لِلطَّعَامِ، وَثُلُثُ لِلشَّرَابِ، وَثُلُثُ لِلنَّفَسِ» (رواه ابن ماجه).
– وحذر من الإسراف في تضييع الأوقات بإهدارها، فقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنه لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأله الله عن عمره فيم أفناه؟ (أخرجه الترمذي).
حياة بلا إسراف…
إن التعامل الأمثل مع المنافع هو الاقتصاد فيها؛ كي يستفيد منها أكبر عدد ممكن بخلاف الإسراف الذي يفوّت الكثير من المصالح، ولا شك أن الحياة بلا إسراف أفضل وأنعم؛ لهذا كان:
– فتح صنبور الماء دون استخدامه إلا أوقاتاً بينية ضئيلة أو تركه معطوبا دون إصلاحه.. إسراف ينافي حفظ النعمة وشكرها.
– الإفراط في غسل الأشياء والمأكولات بالماء الجاري وترك غسلها في أحواض الماء.. إسراف ينافي حفظ النعمة وشكرها.
– وضع طعام يكفي عشرة أشخاص على مائدة أمام شخص واحد… إسراف ينافي حفظ النعم وشكرها، إذ النتيجة هي إلقاء ما يكفي الإطعام تسعة أشخاص آخرين في القمامة.. كيف لمن يفعلون هذا أن يناموا وأطفال المجاعات يموتون جوعا ؟!
– وترك الأجهزة الكهربية قيد التشغيل دون حاجة إليها.. إسراف ينافي حفظ النعمة وشكرها.
– وكذلك إضاءة المصابيح خلال النهار دون حاجة إليها.. إسراف ينافي حفظ النعمة وشكرها.
– وإزالة الهاتف عن الشاحن وتركه مثبت في مقبس الكهرباء دون فائدة.. إسراف ينافي حفظ النعم وشكرها.
إن هذه الصور وأمثالها تُعدّ إسرافًا لا يحب الله عز و جل أهله، قال تعالى: {وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: ٣١].

قالوا عن الإسراف..

قال ، عُمر بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «كَفَى بِالْمَرْءِ . كُلَّ مَا اشْتَهَى» ، فما بالكم بمن يهدر الطعام أو يلقيه في القمامة؟!
– قيل للحسن بن سهل : لا خير في السَّرف، فقال: «لا سَرَف في الخير»
– قيل لحكيم: متى يكون بذل القليل إسرافًا والكثير اقتصادًا، قال: «إذا كان بَدلُ القَليل في باطل، وبذل الكثير في حق»
– قال علي بن الحسين بن واقد رضي الله عنه: قد جمع الله الطب كله في نصف آية فقال: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا} [الأعراف: ٣١].
–  قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى: «من الإسراف الأكل بعد الشبع، وكل ذلك محظور. وقال لقمان لابنه: يا بني لا تأكل شبعا فوق شبع، فإنك أن تنبذه للكلب خير من أن تأكله» (تفسير القرطبي)، هذا إذا أكلت بعد الشبع، فما البال بمن يُهدر الطعام ويجعله مع القمامة في صندوق واحد ؟!

Source

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى